الخميس، 7 يناير 2016

السّوق القديم

كتبها بدر شاكر السّياب ذات يوم من سنة 1948



الليل والسوق القديم
خفتت به الاصوات .الا غمغمات العابرين
وخطى الغريب وما تبث الريح من نغم حزين
في ذلك الليل البهيم
الليل والسوق القديم وغمغمات العابرين
والنور تعصره مصابيح الحزانى في شحوب
مثل الضباب على الطريق
من كل حانوت عتيق
بين الوجوه الشاحبات كأنه نغم يذوب
في ذلك السوق القديم
كم طاف قبلي من غريب
في ذلك السوق الكئيب
فرأى وأغمض مقلتيه وغاب في الليل البهيم
وارتج في حلق الدخان خيال نافذة تضاء
والريح تعبث بالدخان
الريح تعبث في فثور واكتئاب ...بالدخان
وصدى غناء
ناء يذكر بالليالي المقمرات وبالنخيل
وانا الغريب .........اظل اسمعه واحلم بالرحيل
في ذلك السوق القديم
وتناثر الضوء الضئيل على البضائع كالغبار
يرمي الظلال على الظلال
كأنه اللحن الرتيب
ويريق ألولن المغيب الباردات على الجدار
بين الرفوف الرازحات كأنها سحب المغيب
الكوب يحلم بالشراب وبالشفاه
ويد تلونها الظهيرة والسراج او النجوم
ولربما بردت عليه وحشرجت فيه الحياة
في ليلة ظلماء باردة الكواكب والرياح
في مخدع سهر السراج به وأطفأه الصباح
ورأيت من خلل الدخان مشاهد الغد كالظلال
تلك المناديل الحيارى وهي تومئ بالوداع
أو تشرب الدمع الثقيل وما تزال
تطفو وترسب في خيالي _هوم العطر المضاع
فيها وخضبها الدم الجاري
لون الدجى وتوقد النار
يجلو الاريكة ثم تخفيها الظلال الراعشات
وجه أضاء شحوبه اللهب
يخبو ويسطع ثم يحتجب
ودم يغمغم وهو يقطر ثم يقطر :مات ....مات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014